سورة العلق - تفسير تفسير ابن جزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العلق)


        


{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)}
{اقرأ باسم رَبِّكَ} فيه وجهان: أحدهما: أن معناه اقرأ القرآن مفتتحاً باسم ربك، أو متبركاً باسم ربك، وموضع باسم ربك نصب على الحال ولذا كان تقديره: مفتتحاً، فيحتمل أن يريد ابتدأ القراءة بقول: بسم الله الرحمن الرحيم أو يريد الابتداء باسم الله مطلقاً، والوجه الثاني أن معناه اقرأ هذا اللفظ وهو باسم ربك الذي خلق فيكون باسم ربك مفعولاً وهو المقروء {الذي خَلَقَ} حذف المفعول لقصد العموم كأنه قال: الذي خلق كل شيء، ثم خصص خلقة الإنسان لما فيه من العجائب والعبر، ويحتمل أنه أراد الذي خلق الإنسان كما قال: {الرحمن * عَلَّمَ القرآن * خَلَقَ الإنسان} [الرحمن: 13] ثم فسره بقوله: {خَلَقَ الإنسان مِنْ عَلَقٍ} والعلق جمع علقة، وهي النطفة من الدم والمراد بالإنسان هنا جنس بني آدم، ولذلك جمع العلق لما أراد الجماعة ولم يدخل آدم في الإنسان هنا لأنه لم يخلق من علقة وإنما خلق من طين {اقرأ وَرَبُّكَ الأكرم} كر الأمر بالقراءة تأكيداً والواو للحال والمقصود تأنيس النبي صلى الله عليه وسلم كأنه يقول: أفعل ما أمرت به فإن ربك كريم. وصيغة أفعل للمبالغة {الذى عَلَّمَ بالقلم} هذا تفسير للأكرم فدل على أن نعمة التعليم أكبر نعمة، وخص من التعليمات الكتابة بالقلم لما فيها من تخليد العلوم ومصالح الدين والدنيا، وقرأ ابن الزبير: علم الخط بالقلم {عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} يحتمل أن يريد بهذا التعليم لكل شيء على الاطلاق، وقيل: لأن الإنسان هنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، والأظهر أنه جنس الإنسان على العموم.


{كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى (7) إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى (8) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى (9) عَبْدًا إِذَا صَلَّى (10)}
{كَلاَّ إِنَّ الإنسان ليطغى} نزل هذا وما بعده إلى آخر السورة في أبي جهل بعد نزول صدرها بمدة، وذلك أنه كان يغطى بكثرة ماله ويبالغ في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، وكلا هنا يحتمل أن تكون زجراً لأبي جهل أو بمعنى حقاً أو استفتاحاً {أَن رَّآهُ استغنى} في موضع المفعول من أجله، أي يطغى من أجل غناه. والرؤية هنا بمعنى العلم، بدليل إعمال الفعل في الضمير، ولا يكون ذلك إلا في أفعال القلوب، والمعنى رأى نفسه استغنى واستغنى هو المفعول الثاني {إِنَّ إلى رَبِّكَ الرجعى} هذا تهديد لأبي جهل وأمثاله {أَرَأَيْتَ الذي ينهى * عَبْداً إِذَا صلى} اتفق المفسرون أن العبد الذي صلى هو سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأن الذي نهاه أبو جهل لعنه الله، وسبب الآية «أن أبا جهل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في المسجد الحرام فهم أن يصل إليه ويمنعه من الصلاة» وروي أنه قال: «لئن رأيته يصلي، لأطأنّ عنقه، فجاءه وهو يصلي ثم انصرف عنه مرعوباً فقيل له: ما هذا؟ فقال: لقد اعترض بيني وبينه خندق من نار وهول وأجنحة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضواً عضواً».


{أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى (11) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى (12) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (13) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى (14)}
{أَرَأَيْتَ إِن كَانَ على الهدى * أَوْ أَمَرَ بالتقوى} أرأيت في الموضوع الذي قبله والذي بعده بمعنى: أخبرني؛ فكأنه سؤال يفتقر إلى جواب وفيها معنى التعجيب والتوقيف والخطاب فيها يحتمل أن يكون للنبي صلى الله عليه وسلم، أو لكل مخاطب من غير تعيين، وهي تتعدى إلى مفعولين وجاءت بعدها إن الشرطة في موضعين وهما قوله: {إِن كَانَ على الهدى} وقوله: {إِن كَذَّبَ وتولى} فيحتاج إلى كلام في مفعولي أرأيت في المواضع الثلاثة، وفي جواب الشرطين وفي الضمائر المتصلة بهذه الأفعال، وهي إن كان على الهدى، وأمر بالتقوى وكذب وتولى، على من تعود هذه الضمائر؟ فقال الزمخشري: إن قوله الذي ينهى هو المفعول الأول لقوله: أرأيت الأولى وأن الجملة الشرطية بعد ذلك في موضع المفعول الثاني، وكررت أرأيت بعد ذلك للتأكيد فهو زائدة لا تحتاج إلى مفعول وإن قوله: ألم يعلم بأن الله يرى هو جواب قوله: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى للذي نهى عن الصلاة وهو أبو جهل، وكذلك الضمير في قوله إن كذب وتولى وتقديره الكلام على هذا: أخبرني عن الذي ينهى عبداً إذا صلى، إن كان هذا الناهي على الهدى أو كذب وتولى؟ ألم يعلم بأن الله يرى جميع أحواله من هداه وضلاله وتكذيبه ونهيه عن الصلاة وغير ذلك؟ فمقصود الآية تهديد له وزجر وإعلام بأن الله يراه.
وخالفه ابن عطية في الضمائر فقال: إن الضمير في قوله: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى للعبد الذي صلى، وأن الضمير في قوله: إن كذب وتولى للذي نهى عن الصلاة، وخالفه أيضاً في جعله أرأيت الثانية مكررة للتأكيد وقال: إنها في المواضع الثلاثة توقيف وأن جوابه في المواضع الثلاثة قوله: {أَلَمْ يَعْلَم بِأَنَّ الله يرى} يصلح مع كل مع واحد منها، ولكنه جاء في آخر الكلام اختصاراً.
وخالفهما أيضاً الغزنوي في الجواب فقال: إن جواب قوله: إن كان على الهدى محذوف فقال: إن تقديره إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أليس هو على الحق واتباعه واجب، والضمير على هذا يعود على العبد الذي صلى وفاقاً لابن عطية.

1 | 2